حفظ اللسان وأثره في حياة المسلم
إن اللسان هو أحد أهم أعضاء الجسم التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، فهو أداة التعبير الأولى عن الفكر والمشاعر والأحاسيس، ويُعدّ من أصدق وسائل التواصل بين الناس. ومع ذلك، فإن هذا العضو الصغير يمكن أن يكون سببًا في الكثير من المشاكل والصعوبات التي قد تؤثر على حياة الإنسان بشكل مباشر. ولذلك، فإن حفظ اللسان أصبح من أعظم القيم التي يجب على المسلم التحلي بها، وذلك لتحقيق السلم الداخلي والعيش بسلام مع الآخرين.
اللسان بين النعمة والنقمة
اللسان له من الأهمية ما لا يخفى على أحد، فهو أداة للثناء على الله تعالى والتعبير عن شكرنا له، وهو أيضًا وسيلة لنقل العلم والمعرفة، وتوثيق الروابط الاجتماعية بين الأفراد. ولكن، كما هو الحال مع العديد من النعم التي وهبها الله تعالى للإنسان، فإن اللسان إذا لم يتم حفظه واستخدامه في ما يرضي الله، يمكن أن يتحول إلى نقمة ويكون سببًا في العديد من المشكلات. وفي هذا السياق، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” (رواه الترمذي). وهذه نصيحة عظيمة لترك التفوه بما لا يفيد أو ما يتسبب في الفتنة والمشاكل.
أضرار اللسان غير المحفوظ
-
الغِيبة والنميمة:
من أبرز أضرار اللسان التي حذر منها الإسلام بشكل خاص هي الغيبة والنميمة. فالغيبة هي التحدث عن شخص بغير حضوره بطريقة تسيء إليه، حتى وإن كانت الحقيقة وراء الكلام. والنميمة، من ناحية أخرى، هي نقل الكلام بين الأشخاص بهدف إحداث الشقاق والفتنة بينهم. ومن المعروف أن الغيبة والنميمة من الكبائر التي يعاقب الله عليها في الدنيا والآخرة. وفي هذا السياق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لا يَأْمُر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فيُسَاءُ إليه، ويُذَمُّ، ويُبَاهَى به في الجنة، فإنَّه ذلك لَيسَ المكرُ، ولاالفسادُ، لا يُؤْثَرُ، فإنَّه واللهِ لَأَيُّ أَعْمَالٍ تَصُدُّنا”(رواه البخاري). -
الكذب والافتراء:
الكذب يعتبر من أكبر الآثام التي يمكن أن يقترفها الإنسان، وقد جاء تحريمه بشكل قاطع في القرآن الكريم والسنة النبوية. اللسان الكاذب لا يُؤذي صاحبه فقط، بل يتسبب في هدم الثقة بين الناس، ويؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية. وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ” (النحل: 105). الكذب يضعف الشخصية ويجعل صاحبها موضع شك من قبل الآخرين. -
السب والشتم:
التحدث بكلمات جارحة، سواء كانت سبًا أو شتمًا أو قذفًا، يسبب العديد من الأضرار النفسية والمجتمعية. وهذه الكلمات تؤذي مشاعر الآخرين وتؤدي إلى انتشار الكراهية بين الأفراد. في الحديث النبوي الشريف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا” (رواه مسلم). من خلال هذا الحديث، يظهر كيف أن الكلام الجارح يمكن أن يؤدي إلى قطع الأواصر الاجتماعية والتسبب في الفتنة بين المسلمين. -
التفاخر والتكبر:
من المشاكل الأخرى التي يتسبب فيها اللسان هو التفاخر بالكلمات والتباهي بالمكانة الاجتماعية أو الأموال أو الأعمال. التفاخر بالنعم يعتبر نوعًا من الكبر الذي قد يؤدي إلى فساد القلب وابتعاد الإنسان عن الطريق المستقيم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبَر” (رواه مسلم). إن التفاخر ليس فقط محرمًا في الإسلام، بل يُعتبر سلوكًا يؤدي إلى قطيعة العلاقات وتدمير الألفة بين الناس.
فضل حفظ اللسان
إن حفظ اللسان هو من أسباب الراحة النفسية والسكينة في الحياة، ويُسهم في بناء علاقات طيبة مع الناس. المسلم الذي يحفظ لسانه يعيش في سلام مع نفسه ومع الآخرين، ويشعر بالاطمئنان الداخلي لأنه لا يُذمّ أو يُسفّه بسبب كلامه. لذلك، يجب على المسلم أن يتذكر دائمًا أن اللسان مسؤولية، وأنه يجب عليه أن يستخدمه في الخير والصواب.
اللسان الذي يُستخدم في ذكر الله، وفي الدعاء، وفي نشر العلم، هو لسان مبارك. وقد ذكر القرآن الكريم فضل اللسان في قوله تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83)، وهو دعوة لاستخدام اللسان في الخير والتعامل الحسن مع الناس.
وسائل حفظ اللسان
-
التفكير قبل الكلام:
يجب على المسلم أن يُفكر جيدًا قبل أن يتكلم، وأن يسأل نفسه: هل هذا الكلام يعود بالنفع؟ أم أنه قد يتسبب في الأذى؟ فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” (رواه الترمذي). -
الابتعاد عن المجالس التي تُحرض على الفتن:
يجب على المسلم أن يبتعد عن مجالس السوء التي يتم فيها التحدث عن الآخرين بشكل غير لائق أو يتم فيها نشر الأكاذيب. فإن الإنسان إذا دخل في مثل هذه المجالس، فقد يتأثر ويبدأ في قول ما لا يجوز. -
تحقيق النية الصافية:
يجب أن يكون الهدف من الكلام هو إرضاء الله، وعدم التحدث بنية الإساءة أو الإضرار بالآخرين. المسلم الذي يتحدث بنية صافية يتجنب اللسان الملوث بالغيبة أو النميمة أو الكذب. -
الاستغفار والتوبة:
من وسائل حفظ اللسان أيضًا، هو الاعتراف بالذنب إذا كان الإنسان قد وقع في خطأ أثناء استخدام لسانه، واللجوء إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار. فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: “وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ” (آل عمران: 135).
خاتمة
حفظ اللسان ليس مجرد الامتناع عن قول الأشياء السيئة فحسب، بل هو تجنب كل ما يمكن أن يضر بالآخرين أو يسبب القلق والفتنة. المسلم الذي يتحلى بهذه الفضيلة ينعم بحياة هادئة، مليئة بالسلام الداخلي، والاحترام المتبادل مع الآخرين. حفظ اللسان هو من وسائل التقوى التي يجب أن يتبعها المسلم في كل زمان ومكان، لتحقيق النفع له ولمن حوله، ويُعد من أسمى الأخلاق التي يجب أن يتصف بها كل مسلم.
